ومن جهة اخرى اصبح الموبيل قرين حامله أينما حل او راح ،واينما كان قائما او جالسا ،واصبح ذلك النشاط جزء من الحياه اليومية للفرد،وملئت تلك الاستخدامات فراغ هائل في حياة الفرد بما جعلها تؤثر على انشطة اخري تقليدية ذات ابعاد اجتماعية.
وبلغ الهوس في ذلك ان اصبح كل فرد يبحث عن شعبية وهمية عبر زيادة عدد الاعجاب او المشاركة او التعليق ، وهو ما يدفعه الى البحث عن الاثاره او القيام بافعال غير تقليدية لجذب المعجبين ،والتي تعني في الوقت نفسه البحث عن الاهتمام .
وأصبحت عملية اتخاذ صور "السيلفي "تنتهك خصوصية الاخرين والذين يجدون انفسهم اطراف في "سباق السيلفي"، ودون ان ياخذ رأيهم ،وبلغ الحد الذي اهتم الافراد بالصور عن مدى اهتمامهم ببيئة التصوير أو حتى مخاطر التصوير المرتبط بحالة الانشغال الذهني ،وهو ما ادى الى حدوث مخاطر نالت من السلامة الجسدية ، وتعكس عمليات التقاط الصور السيلفي ونشرها دورياً عن مبالغه تعكس عن وجود شخصية غيرمستقرّة تجري خلف لفت الأنظار اليها واسترعاء الانتباه ،ومن جهة اخري تكشف عملية إدمان تحميل صور السلفي على درجة عالية من النرجسية أو بالأحرى من حبّ النفس والغرور.
ولعل من مسببات ذلك الهوس هو خضوع الفرد تحت منصات اعلامية الحاحيه عبر شبكات التواصل اجتماعي،واصبح الفرد تحت ضغط الوقت وكيفية جذب الانتباه،وبخاصة مع اطلاق منصات خاصة للصور مثل انستجرام ،والتي تلعب دور الحاضن للنشاط الفردي بكل سهولة ويسر وانتشار،وهو ما كان له تاثير على اهدار في الطاقات البشرية عبر تحطيم قيمة الوقت وكذلك قيمة العمل .وهو الامر الذي يؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية ،ويوفر بيئه حاضنه للافكار الشاذه والغريبه.
وتحول الفرد الى مواطنا مصورا على النحو الذي جاء على دور مهنة المصور والصحفي واجهزة الاعلام .واصبح الفرد منتجا للمحتوى بعد حالة الربط بينه وبين الصورة كتعبير عن حالة المكانه او السعادة او الانجاز او الحالة المعاشه .
واخترقت صور السيلفي لحظات خاصة وربما لحظات ذاتية وحالات فردية لتنقلها الى العلن والمجال العام ،بما جعل هناك حالة من التزاحم في الاهتمامات الشخصية وتراجع التعبير عن المطالب والحاجات العامة .
ودخلت الصورة لتخترق حالات خاصة وربما لا تهم احد غير صاحبها مثل حالة الموت او اداء مناسك الحج او العمره او المرض او جثث الموتي وغيرها مما كشف عن انتهاك لخصوصية الفرد وخصوصية المكان كذلك ،وعلى سبيل المثال تأثير نقل "السيلفي" الى اداء مناسك الحج ،والتي على الرغم من كونها تعبر عن علاقة خاصة بين الفرد وربه الا انها تحولت الى مشاهد مظاهرية يستهدف من يقوم بها جذب انتباه الاخرين،وبدأ بعض الافراد يركزون على حجم وعدد الصور بدلا من مدى الاستغراق في العبادات او المناسك او حجم تغلل المشاعر الروحية وتأثيرها في النفس ، وهو ما عمل على اعطاء شبهة رياء في العمل وأثر على درجة الاخلاص فيه ، وأثر على قدسية ممارسة الشعائر.
واصبحت ظاهرة "السيلفي" أحدى مسببات الزحام أثناء الطواف والسعي؛ لما يستغرقه صاحب الصورة من وقت لالتقاط صورته، في حين أن الوقوف لثوانٍ معدودة يسبب التدافع؛وادت سيطرة الصورة على المشاعر الى آنية الفعل الانساني، واضعاف دور الذاكرة البشريه والجماعية والتي تستطيع ان تنقل الاحداث عبر الذاكرة بما يعمل على تنشيط المخ، ولعل من اكثر مخاطر العصر الرقمي هو مرض الزهايمر مع خضوع الفرد لكم هائل من تدفق المعلومات وفشل في استيعاب بعضها او كلها بل يعمل على تنشيط الرؤية عبر العين على حساب العقل والتفكير .
وقد اثبت الدراسات العلمية عن تاثير تلك الثورة المعلوماتية على عزله الفرد وقلقه النفسي ونمو مشاعر عدم اليقين والاغتراب.
فالشخص قد يكون له الالاف من المعجبين ولكن ما هم بمعجبين والالاف من الاصدقاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولكنهم ليسوا باصدقاء بالفعل ، وذلك بعد الفشل الكثير من مستخدمي التواصل الاجتماعي في نمو صداقة طويلة الامد وعجز اي فرد منهم في ان يكون اوفلاين أي خارج نطاق الاتصال،وبلغ ذلك ان "قام صاحب مطعم بريطاني بالاعلان عن انه سيعطي سندوتش برجر مجاني لمن يحذف عشرة اصدقاء عبر الفيس فجاء له طلبات وصلت الى ما يزيد عن نصف مليون طلب في خلال6 ساعات".
وجاءت ظاهرة "السيلفي" كأحد التطبيقات الالكترونية شعبيه على حساب دور الانشطة الاجتماعية التي من شانها ان تعزز من التلاحم الاجتماعي والفهم الانساني والروابط الفعلية بين البشر او الفشل العاطفي او العزلة او ضعف الانجاز الشخصي،وعلى الرغم من حيادية شبكات التواصل الاجتماعي الا انها تتاثر بطرق استخدامها من قبل المواطنين ،واصبحت تدخل في حياة الفرد الخاصة، وتحول المجال الخاص الى المجال العام،وصعد البعد الشخصي على البعد المجتمعي من خلال قدرة الفرد على توجيه استخدامه عبر التاثير في الاخرين ،وكشف ذلك عن حجم التأثير النفسي على حياة الفرد وعلاقته بالمجتمع ، من خلال التأثير في الوجدان ثم السلوك.
ونظرا الى خطورة تلك الظاهرة فقد اعلن خبراء في منظمة الصحة العالمية عن نيتهم إعلان التعود "الإدمان" على الانترنت و"السيلفي" خللا نفسيا؛ حيث أفاد بذلك كبير خبراء الأمراض النفسية في موسكو، الطبيب بوريس تسيجانكوف.
وأشار الطبيب إلى أن الخبراء يعملون الآن على إعداد قائمة التصنيف الدولي للأمراض النفسية التي سيضاف إليها التعود "الادمان" على التقاط صور "سيلفي" وعلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
و هناك دراسات أولية تبنى وتدل على أن هذه الممارسات سوف تدخل على الاضطرابات النفسية، ويتطلب ذلك الموضوع فقط مسألة وقت ليتم إدراجها.ويمكن ان يخضع "ضحايا ذلك المرض "الى العلاج بأدوية طب الامراض النفسيه،وهو ما يسمية الخبراء النفسيين مرض "طيف الوسواس" أو "طيف الإدمان".
وغني عن القول أنه بداية لا تصنف السلوكيات كمرض الا اذا تحقق شرط واحد رئيسي، وهو الضرر بالأداء العام للإنسان، وهذا واقع الحال في الاستخدام المسرف لمواقع التواصل الاجتماعي وصور "السيلفي" التي تستهلك وقتا وجهدا وتصبح مشاقها عالية في شيء لا يستحق هذا الجهد.
وهو ما يجعل هناك ارتباطا بين الادمان كظاهرة نفسية جديدة على استخدام التواصل الاجتماعي واحد انماط ذلك وهو "صور السيلفي " ، وهو ما يتم الكشف عنه من خلال مدى تاثيره على طبيعة الاداء الوظيفي والاجتماعي للفرد، ومدى حدوث التغير في علاقة الفرد بالمجتمع،ومدى امكانية الفرد ان يبعد عن استخدام تلك التطبيقات بدون ضرر نفسي يشعر به،وخاصة اذا انقطع الانترنت او فصل شاحن الموبيل.
وهو ما يرتبط بشعور الفرد باعراض القلق والتوتر والشك والارهاق العام الى جانب التاثير الصحي على العين وارسخ اليدين والظهر والسمع والدماغ ، والارتباط المرضي بين الشخص وهاتفة من خلال كم عدد المرات التي ينظر الية وكم من الساعات يقضيها على شبكات التواصل الاجتماعي،وحجم التفاعل من خلال نشر الصور والتعليقات عبر التطبيقات الالكترونية
وظهرت امراض نفسية ارتبطت بذلك الاستخدام مثل الادمان وما يعنية من قضاء فترات زمنية طويلة وعدم القدرة على الاستغناء عنه وتحوله الى سلوك وجداني داخل شخصية الفرد ، ونال ذلك التاثير على علاقة الفرد بالمجتمع بل وعلاقته بذاته وطرق تقديره لها ،ومن ثم فان عملية الهوس العالمي بصور السيلفي يجب ان يتم ادراك مخاطره ،نتيجة لاثارة النفسية الضارة على الصحة النفسية للفرد والمجتمع.وتعزيز عملية التحرر من السيطرة الصامتة على مشاعرنا وتفاعلاتنا وادوات وطرق التعبير من قبل اجهزة وشركات لا تبغي الا الربح المادي على حساب اي شيئ اخر،وليصبح الاهتمام اكبر باهمية المجال الطبيعي ،وترك الفرصة للذاكرة البشرية ان تتحرك وتفكر وتحفظ وتنقل من اجل صحة المخ والعقل والبدن لا ان يتحول عقل الانسان وذاكرته الى جهاز خارجي"موبيل" لا نملك السيطرة علية وقابل للتلف والتلاشي،وربما هذا يفسر ان اصبح مرض "الزهامير "اخطر امراض العصر واكثرا عرضه للانتشار .
فهب انك قمت بزيارة الى احد الاماكن التاريخية واعتمدت على التخلي عن اصطحاب الكاميرا معك ،وبعد مغادرتك المكان امسك ورقة وصف ما شهدته ،وجرب نفس الشيئ مع قيامك فور دخول احد الاماكن التاريخية او الطبيعية بالتصوير وبعد ذلك قم بنفس الشيئ ،اي صف ما شهدته ،حين ذاك ستكتشف الفرق،ففي الحالة الاولي اعتمدت على ذاكرتك البشرية ورؤيه عينك والتي امتزجت بفكر وتدبر ،ومن ثم ستتمكن من كتابه وصف دقيق لما حدث وتستطيع ان تنقله الى غيرك -حيث كانت الذاكرة البشرية والروايات المحكية والتراث الشفوي وسيلة هامة في المجتمعات التقليدية-، وبينما ستكتشف في الحالة الثانية انك تحتاج الى الكاميرا لكي تصف هي لك بدقة ما حدث ،ولكنها ذات ستكون غير كافية لانها على الاقل ستحرك عينك وليس عقلك ،وستكتشف ان ذاكرتك تحولت الى ذاكرة الكترونية خارجية .